Wednesday, May 28, 2008

-نبني لبنان اينما كان... الاّ في لبنان -1


لطالما اقترن مصطلح "الاستقرار" بالمجتمع السليم والقادر، يربى ابناؤه بتعايش وآخاء واتحاد... سليمٌ بسلامه بعيداً عن الحروب والمعارك، وقادرٌ بقدرات سكانه العلمية والفكرية. اما في حال اندثار الشرطين الاساسيين، كما هي الحال في لبنان، فعن اي استقرار او سلام او شباب ناشطٍ قد نتكلّم؟
============
دنيز يمّين

هذا ما حدث لهم... لم يعد بإمكانهم رؤية المستقبل الزاهر الذي يحلمون به منذ الصغر يتحقق في لبنان الغد، ليس من باب التشاؤم او المبالغة اذ يقولون ذلك، بل من باب الواقعية والواقعية فقط: من الصعب لوم شاب لبناني طريّ العود شبع نظره من الدماء والحروب العشرية (كونها تطلّ علينا كل عشر سنوات تقريباً) وتردّي الاقتصاد اللبناني بفرص عمله المتواضعة و"النّقزات" الامنية المتواترة والفساد الاداري المستشري وسيطرة المحسوبيات الطائفية وقصّ على ذلك من شوائب اجتماعية اخرى اضحت جزءاً لا يتجزّأ من الواقع اللبناني المعيشي اليومي.

لا ارقام رسمية

ووفقاً لهذه المعطيات المؤسفة، وضّب الشاب اللبناني أمتعته تباعاً، بموازاة حروب رافقت ولادته وفتوّه وشبابه، فأبى ان يعيق الفشل السياسي مرحلته الانتاجية الناضجة فلجأ للولايات المتحدة الاميركية بشكل رئيسي، والبلاد العربية وفرنسا وكندا واستراليا وغيرها من الدول المتقدمة او الغنية حيث للمرء قدرٌ وقيمة!
ومن السخرية انه في وقت يتحوّل لبنان الى بلد الشيوخ والعجزة بأكثريته، حيث ان دراسة "دخول الشباب سوق العمل والهجرة منذ 1975" التي اعدّتها البروفسورة شوغيك كاسباريان، بيّنت ان 46 في المئة من الاسر لها فرد مهاجر على الاقلّ، ليس هناك من ارقام رسمية دقيقة حول عدد المهاجرين حتى الان، إما لتقصير ما من قبل الجهات المعنية او لأن اعداد اللبنانيين خارج وطنهم لا يقتصر على الذين تخلّوا عن اقامتهم وانما المتحدّرين من اصل لبناني ايضاً الذين من الصعب إحصاؤهم عبر العالم. وفي الحالتين، عجزٌ واضح عن التوصل الى نسب علمية تُقدر من خلالها خطورة المشكلة التي تحدق بالمجتمع اللبناني والتي تهدّد طبيعته السكانية والديمغرافية والانتاجية والتنموية.

وفيما 67.3 في المئة من المهاجرين عبر العالم يعملون ضمن استقرار وفّره لهم الخارج، بحسب دراسة كاسباريان التي شملت كل الاراضي اللبنانية على عينة من 18243 اسرة بما يقارب الـ83196 فرداً و15507 من الشباب العاملين فضلاً عن 20 الف مهاجر، نلحظ يومياً تشجيع كبير على الرحيل لمن بقي في بلده يتأمل بالحل السياسي اومن داق ذرعاً بحاضره مستسلماً للاوضاع الراهنة لعدم توفر امكانية مادية للسفر.

لا للبقاء!

رغبة متزايدة لدى اللبنانيين في ركوب القطار الللاعائد دلّت ارقام "الدولية للمعلومات" عليها، في استطلاع للرأي اجرته المؤسسة في كانون الثاني 2008 الماضي. فهذه الرغبة لم تقتصر على فئة طائفية واحدة كما كان جائراً في الماضي في اشارة الى المسيحيين خصوصاً، وانما طالت الطوائف جميعها هذه السنة مع ما يمزّق لبنان من خلافات سياسية ضيقة اتفق الجميع على الاشمئزاز منها، من الازمة الدستورية الى الفراغ الرئاسي فغياب الوحدة والشراكة... 39 في المئة من المستطلعين الذين تناولتهم "الدولية للمعلومات" اعلنوا عن رغبتهم في الهجرة انطلاقاً من السّنة (45 في المئة) والكاثوليك (41.2 في المئة) والموارنة (40.4 في المئة) كنسب اكثر ارتفاعاً، وصولاً الى النسّب الدنيا من الدروز (29.1 في المئة) والشيعة (31.1 في المئة) والارثودكس (33.3 في المئة). واللافت ان هذه النسب التي يقف وراءها التدهور المعيشي اللبناني المتفاقم، ليست ادنى من تلك التي احصيت بعيد حرب تموز 2006، بل تخطّتها كثيراً بعدما ارتفع عدد الراغبين في الهجرة من 15.3 في المئة مباشرة بعد العدوان، الى 39 في المئة، بعدما لم يعد للتّردد في الهروب من لبنان اي مكان في اجندة اللبنانيين.

من البديهيات...

3 ملايين ونصف المليون يشكلون بالحدّ التقريبي سكان لبنان اليوم بعد هجرة حوالي 88.035 مواطن الى الخارج بحسب ما اوردت وزارة السياحة العام 2007، لا سيما في السنوات الماضية وخصوصاً بعد الحرب التموزية، ومع ذلك نرى لبنان مثقلٌ بسكانه وفرص عملهم وامنهم واقتصادهم... فكيف كنا لنعيش في ما لو كانت مساحة ارضنا تتعدى الـ10452 كلم2 وعددنا يفوق الملايين القليلة؟
سؤال قد يصوّر طبيعة مجتمعنا الهرمة وافتقاره الوشيك للبديهيات الاجتماعية: لوحة يومية تُحفر في ذهن شباب اليوم المنفعل، ابطالها اهالٍ عصاميون منصرفون الى تأمين التدفئة من ثلوجة الشتاء وجنونه، واقفين في صفوف الافران من اجل رغيف ساخن يسدّ الجوع، متأهبين لكل مستجدّ طارئ يهدد اعيالهم...فلم على الاجيال الجديدة ان تضرص، وافرادها من جيل العلم ونواة البلاد والفئة الواعية الناشطة الفاعلة؟

قرار اللاعودة

منطق يفكّر على اساسه الراغبون في الهجرة الدائمة وفي قلبهم هاجس اقتصادي بحتة. اما شعور المواطنية فيتوارى مع رحيلهم فيما تركيبة لبنان الطائفية السياسية تتثبّت اكثر فاكثر متناسية اهمية العمل على اعادة من غادر وجذب من ينوي المغادرة، والغرب يتصيّد ادمغتنا وقوانا العقلية التي تتطوّر في خدمته على قاعدة "كلّ نبيٍّ في وطنه مهان"... ولا من يسأل.

No comments: