Wednesday, May 28, 2008

-نبني لبنان اينما كان... الاّ في لبنان -2


"ناطر بَلكي عن جديد بيرجع لبنان الحلو"... قالها الفنان جاد نخله في غنوته الحزينة مجسّداً آمال شباب رحل ولم يعد، ينتظر العودة شبه المستحيلة الى لبنان الأربعينات بعدما سلك الهجرة طريقاً لبناء مستقبله وتطوير قدراته الفكرية والابداعية فيما التداعيات السياسية الاقتصادية في بلاده تكبّد اللبنانيين يومياً قهراً على ابتعاد ابنائهم وحسرة على وضع معيشي مذرٍ.
============
دنيز يمّين

ان كانت السياسة الراهنة التي لا تخدم في ممارساتها سوى السياسات التي سبقتها والقائمة على التراجع المستديم في كلّ الميادين، لا تبدو في طريقها الى الحلحلة خصوصاً انها اساساً وراء تزايد هجرة اللبنانيين، قد يمكن لاساليب اخرى ان تساعد على مكافحة هذه الظاهرة المخيفة التي تهدّد مستقبل لبنان. مقترحات سريعة لإبقاء الشاب اللبناني في وطنه، ادلى بها عضو حركة المستقلون رازي حاج حول مسعى الحركة الخاص في هذا الصدد معتبراً انه يمكن لاعادة هيكلة الادارات الرسمية من خلال ضخّها بعناصر شبابية قادرة على التأقلم مع التطور التكنولوجي من جهة وتحمّل ضغط العمل وسرعته المتزايدة من جهة اخرى ان يساهم في هذا الشأن، فضلاً عن انماء الريف وتثبيت الشباب في مناطقهم من خلال اختصاصاتهم العلمية والالكترونية وغيرها من الاجراءات التنموية الكثيرة التي تعوّقها حال عدم الاستقرار والتوتر الامني في لبنان والتي تعمل جمعيات عدة على تحقيقها في اطار مكافحة الهجرة المفرطة.

92000 مهاجر!

أرقام تقدّمت بها حركة المستقلون بالتعاون مع مديرية الامن العام حول ما يقارب 92000 لبناني (معظمهم من الشباب) هاجروا في معظمهم الى الخليج العربي منذ عام حتى اليوم. عددٌ تتفق استطلاعات الرأي الحديثة على التقارب منه ما يعزّز صدقية هذا الرقم نسبياً وما يؤكد خطورته في الوقت نفسه. صحيح ان كثرة المغتربين وتحويلاتهم المالية البالغة 5.7 مليار دولار تقف سنداً للاقتصاد اللبناني بشكل عام لكن الى اي مدى ستبقى التضحية بالادمغة الشبابية تصبّ في مصلحة ارض ليست ارضهم وووطن ليس وطنهم ومجتمع لم يكن يوماً مجتمعهم؟

تأثّر الزواج والخصوبة

سؤال اثار د. وفاء بصبوص، الاخصائية في علم السكان والديمغرافيا التي اكدت قدوم لبنان نحو مجتمع شيخ سيكلّف الدولة اللبنانية اموالاً طائلة على المدى البعيد. ظاهرة ستدوم اكثر من غيرها اعتبرت بصبوص ان من اهم مخاطرها ديمغرافياً، تأثيرها المباشر على حركتي الزواج والخصوبة. "صدمتان اجتماعيتان تصبحان امراً واقعاً مع ازمة التفاوت الجنسي بين من يهاجر من الاناث والذكور ومن يبقى منهما في لبنان، الامر الذي يؤخر خطوة الزواج اكثر فاكثر مع تأخير عملية التعارف والعشرة". كما اعزت بصبوص الصدمة الاجتماعية الثانية الى ضرب حركة الخصوبة التي من شأنها تأمين استمرارية الحركة السكانية وتبدّل المجتمع معتبرة ان انفصال الزوجان بسبب الهجرة يحول دون انجاب الاولاد او حتى تفكّك الاسر.

في اوروبا ايضاً...

الاحصاءات الرسمية غير المتوفرة عن اعداد المهاجرين لم تغظ بصبوص التي اعتبرت انه حتى في اوروبا ايضاً لا توجد ارقام مؤكدة حول مهاجريها اذ برأيها الخلاف حول مفهوم وهوية المهاجر هو من يحول دون ذلك. "لبنان بلد مفتوح منذ القدم باستقطابه جمهور وهجرة جمهور آخر منه، اما رغبة الشباب الكبيرة في الهجرة، فلا اؤمن شخصياً بها خصوصاً انها قد ترتبط بالتوق الى الحرية الاوروبية مثلاً او الانبهار بالعروض الخيالية دون احتساب تداعيات ذلك".

زاوية سياسية

اما الدكتور ميشال سبع، الاخصائي في علم الاجتماع، فعزا ايضاً انفتاح لبنان على الخارج الى اساس تشكيله، اذ لطالما اتخذ بلد الارز طابع بلد الخدمات وقليل من الزراعة والتجارة ما يؤكد قيام اقتصاده على السياحة بالدرجة الاولى كونه لا يكتفي داخلياً، الا ان ما يحدث اليوم برأي سبع يأتي ليغيّر هوية لبنان هذه، خصوصاً ان التطورات السياسية الحالية تجعل لبنان مقاوماً وممانعاً، في اشارة الى سيطرة حزب الله عسكرياً وسياسياً، ما يعكس ذلك حالة من اللااطمئنان على السواح المفترض ان يأتوا لبنان من جهة والشباب اللبناني الذي يرفض ان يكون مقاتلاً، بحسب سبع، من جهة اخرى. امرٌ لم تثني الاخصائية الديمغرافية عليه معتبرة ان الهجرة الحاصلة لا تقتصر على فئة معينة من اللبنانيين، في اشارة الى اخصام حزب الله، بل تشمل كل الفئات والطوائف ما يبعد الامر عن السياسة خصوصاً ان من يقاتل برأي بصبوص، هو مكتفٍ مادياً ما لا ينطبق على سائر الاشخاص.

وبعيداً عن السياسة يبقى الواقع الاليم سيّد الموقف في ظلّ تراجع حادّ للاوضاع السياسية والاندثار المتسرّع لمفاهيم المواطنية والانتماء والولاء للوطن الامّ، في وقت تؤمن الارض المضياف حماية واحتراماً وتقديراً لا يوفّره تراب الاجداد.

No comments: