Wednesday, May 28, 2008

عناد سياسي يمنع الحلّ...لا استقالة ولا انكفاء


حالة استثنائية من التأزم السياسي يدخلها لبنان بعدما اثمرت حقبة ثلاث سنوات اخيرة، فاكهة عفنة لم تجلب للبلاد سوى السوء والظلم والدماء، غير ان ما وقع قد وقع وما هو مطروح اليوم ليس توصيف للحرب التي نحن بصدد متابعة احدى فصولها العشرية، وانما استنباط سبل الخروج منها وسط "معمعةٍ" لا يُحمد الاسترسال بها.
===========
دنيز يمّين



"اذا راح الملك بيجي ملك غيرو بس اذا راح الوطن ما في وطن غيرو"... قالها الرحابنة قبل اعوام، فاستشرفوا بذلك ما يمرّ به وطنهم المشلول شللاً نصفياً، بعدما تكرّس الانقسام السياسي الثنائي فيه في حرب شوارع ضارية. اما "حاوي الوطن" فجبلٌ لا يتزعزع: لا للاستقالة.


نقطة بيضاء



بعيداً عن مطالبة المعارضة اللبنانية رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بالاستقالة الفورية "تجنباً للمزيد من التصعيد"، ان ما قد يتّخذه رئيس مجلس الوزراء من خطوة شخصية عبر تسليم مهامه لغيره من الشخصيات السنية الكريمة، قد يكون كالنقطة البيضاء في بحر السواد. ليس انطلاقاً من مطلبٍ معارضٍ، ولا تأكيداً على صحة ما قام به حزب الله في الشارع، ولا تنويهاً بالاداء الاحتجاجي الميداني، انما انطلاقاً من مبدأ ديمقراطي يسمح بمحاسبة السلطة على اساس ان من شرّع قيامها هو الشعب، دائماً اخلاصاً لبيان وزاري اشبه بقسم رئيس الجمهورية:


اي التزام؟



"ستجدون في هذا البيان تمسكاً راسخاً بالمسلَّمات الوطنية وفي طليعتها العملُ على تطبيق اتفاق الطائف"... هكذا بدأت
الحكومة اللبنانية بيانها الوزاري تموز 2005، غير ان اعتكاف الوزراء الشيعة بعد عام لم يحرّك للحكومة جفن. فهل احتُرم الطائف باحتضان المؤسسة التنفيذية للطوائف كافة؟ "إنه بيان الحفاظ على مقاومتنا الباسلة في نطاق معادلة نضالية تواجه إسرائيل"... هكذا كان حزب الله بنظر حكومة الاستقلال الا ان ما رايناه اخيراً لا يعبّر عن تبادل المقاومة والموالاة النوايا الحسنة فضلاً عن تقاذفهما الاتهامات والشتائم، التي حددّت حزب الله بالميليشيا وحكومة السنيورة بعميلة الاميركيين."انه بيان النضال الذي روته دماء الشهداء رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي ورفدتْهُ جراح مروان حمادة والياس المر، بيان الالتزام بالعمل الجاد لجلاء الحقيقة وكشف المرتكبين ومحاكمتهم"... وكلنا فخرٌ بمن ضحى بحياته في سبيل لبنان غير ان اللبنانيين خاب ظنهم بعد مرور 3 سنوات على استشهاد هؤلاء فيما بدأت اسماؤهم تجاري الكتمان فضلاً عن اسماء آخرين لحقوا بهم، دون علمٍ او خبرٍ يذكر عن آثار منفّذٍ، في بلد مخابراتي صرف! "إنه بيان العمل على زيادة معدلات النمو وخفض العجز في الموازنة ومعالجة مشكلة تراكم الدين العام"... فانقرضت الطبقة الوسطى. ان القليل الذي كان بإمكان الحكومة ان تفعله كان ليجنّب تظاهرة خطرة للاتحاد العمالي العام خلصت لما لم نخلص به حتى الان.


مصائب جمّة


هذا ايضاً ما كان سائداً في عهدي دولة الرئيس عمر كرامي، بين عامي 1990 و1992 وبين عامي 2004 و2005، حين تكرّرت استقالته الحكومية لمرّتين. سقطت حكومة كرامي في 16 ايار 1992 بعد مظاهرات في الشارع احتجاجاً على وضع اقتصادي سيء فيما تنازل عن كرسيّه في 28 شباط 2005 عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري. اسباب كافية لاستقالة رئيسٍ للورزاء بغض النظر عن قوة او ضعف الحكومات السابقة، غير ان ما شاب لبنان خلال الفترة الاخيرة يفوق كل اعتبار وكل ضغط خارجي، ان ما عاشه اللبنانيون اخطر بكثير: عدنا لتقنيص بعضنا البعض، خضنا حرب ضد اسرائيل وضد القاعدة، اغتيلت المؤسسة العسكرية ورجالاتنا، عدنا نتهافت على الافران...


حقيقة هي ان مشروعي البلد المتناحرين اليوم ليسا في خدمة لبنان لان ما جرى في بيروت، التي ضاقت ذرعاً من الغرق عبر التاريخ، اثبت اننا ورقة لتسويات خارجية نحن ادواتها وان ما قد يمنع السنيورة من ابعاد الكأس المرة عن كاهله ليس في يده فيما التصدي الشيعي للسلطة لن يتوانى عن تحقيق ما يتقرّر في الكواليس وان العصيان قائم لا محال.

No comments: