Wednesday, May 28, 2008

مشهد تخدير جديد على خشبة المسرح اللبناني


حسبتُ ان مصطلحات الماضي اندثرت الى غير رجعة وان ما عايشه اهلنا واجدادنا دفن في ذكرياتهم واننا جيل "الغد"، كما يسموننا، الا انني لم اكن اسأل في السابق عن هذا "الغد"، ظناً مني ان في الغد معنى المستقبل، وفي المستقبل املٌ، وفي الامل نجاحٌ، وفي النجاح خيرٌ... غير انني اتفاجأ اليوم بالمعنى الجديد لهذا "الغد"، اذ به غدٌ يشبه ماضيه وحاضره... حتى ضاع الوقت!


دنيز يمين



تحدثوا عن تجاربهم السابقة وعن لبنانٍ جرّحته سنوات عناد حربي طوال، تحدثوا عن درسٍ لقنتهم اياه اعوام الذل والانقسامات، تحدثوا عن الفتن والحروب الاهلية وخطورة المذهبية والطائفية بعدما ضاقوا ذرعاً بها، اما اليوم، فان كرة النار تتدحرج مشتعلة من جديد نحو هاوية المجهول وهي تدور حول نفسها كدوران اعصار مجنون افقد قادة هذه الكرة اتّزانهم حتى تناسوا درس التاريخ القريب لا البعيد.

استثناء الطبيعي

لن استفيض في كتابة كلمات اليأس والاحباط خصوصاً ان من يديرنا من بعيد، واتخيّله حاملاً آلة التحكم عن بعد يضغط حيناً على زرّ التهدئة وعلى زرّ الفوضى حيناً آخر، يعمل على تخديرنا تدريجياً حتى نعتاد على حال الاستثناء، استثناء التوتر الامني، استثناء حرب القناصة، استثناء حرب المخيمات، استثناء الانقسام السياسي، استثناء حال الاغتيال، استثناء الازمة الاقتصادية، فأضحى الاستثناء طبيعياً في دولة استثنائية في فهمها للديمقراطية وتطبيقها للحريات وانتهاجها للتعايش.


سقط مفهوم لبنان

"حرب الشوارع" في بيروت تعود لتحيي قواميس عسكرية زادت في قسواتها مصطلحات "الشرقية" و"الغربية" والهاون والـ أر.بي.جي والسّنة والشيعة والمسيحيين والدروز فشحّت طرق العاصمة بناسها بينما ازدحمت دكاكينها ومحالها زحفاً وراء الخبز، اللقمة التي لم يستطع اللبنانيون الاتحاد ولو باسمها. نعم، ان التخدير الذي بدأت خطته الذكية قبل 30 عاماً، انسى اللبنانيين "لبنان" و"سلاح الجيش اللبناني" و"المواطن اللبناني" وسط ازمة ثقة فادحة مصيرها الطبيعي الطلاق الحتمي، تماماً كما تؤول اليه خيانة احد شريكي السقف الواحد بعدما تعهدا سوياً بالاخلاص المتبادل على قاعدة التفاهم والتعايش والمحبة، فتأتي الخيانة لتنكث بالوعد ولذلك ثمن باهظ، وثمنه انهيار السقف واساساته بينما لم يعد لمقولة "عفى الله عمّا مضى" اي اعتبار.

طرف مجهّز

تناحر لبناني اضحى اشبه بتناحر فتح وحماس او حتى بين الصدريين والقوات العراقية، ولو ان ما تتميّز به ساحتنا المستباحة انها خالية من الجيوش الاجنبية، ومعاذ الله ان تصبح كذلك، غير اننا على الدرب سائرون مع انجرارنا المستفيض في كراهية الماضي ورهانات التاريخ والانتقامات والاحقاد، بين مسلمين شوّهوا بآدائهم الاسلام-المسالم، الاسلام-المحبة، الاسلام-الحضارة، وبين مسيحيين يدفنون مسيحهم في كل كلمة تشهير يغازلون بها خصمهم السياسي.
اما "كفى" فلم اعد اؤمن بفعاليتها، لانها لو طُبّقت كانت لفترة وجيزة موقتة علماً انها تعني الحدّ مما نحن عليه ابدا. لم اعد اؤمن بمقدرتنا على انتهاج مبدأ السلم والحوار والحضارة خصوصاً ان سلطة التوعية والتنبيه والتثقيف، سلطة الاعلام والمعرفة، اصبحت طرفاً اساسياً في صراع القبائل اللبنانية، وسلاح اعلامنا غير الشرعي كلمة سوداء من احرف شرّ وضغية وتحريض وفتن، فيساهم باسلوبه المنحرف في تقوية ميليشيا على اخرى ومنظمة على اخرى وقبيلة على اخرى لزيادة الكرة اللبنانية اشتعالاً.


لن الجأ لسفارة كما يفعل الاخرون لان حقي في البقاء ولن اشارك في الحرب الاعلامية لان قلمي جزء من هويتي ولن ادعم فريقاً ضد آخر بعدما "ضاعت الطاسة" بين تحالفات الامس وانتقامات اليوم، لكنني قد التزم المراقبة والصمت في حلبة لا تعترف بالكلمة كمخرج الى الحلّ انما تتشبّث بمفاهيم الماضي من امن ذاتي وطارٍ شخصي ونفوذ فدرالي.


No comments: